لماذا لا ينام الله عز وجل؟: تأملات في قدرة الخالق
في قلب الإيمان الإسلامي، تتجلى عظمة الله سبحانه وتعالى في صفاته الكاملة التي تُميزه عن كل مخلوق. من بين هذه الصفات، يبرز قوله تعالى في آية الكرسي: "اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ" (البقرة: 255)، وهي آية تُظهر كمال الله وتنزّهه عن أي نقص بشري. لماذا لا ينام الله؟ وما الحكمة وراء هذه الصفة؟ في هذا المقال، سنغوص في معاني هذه الآية، نستعرض قصة موسى عليه السلام التي توضح هذا المعنى، ونستكشف الحكمة الإلهية التي تجعل الله القيوم الذي لا يغفل أبدًا عن خلقه.
معنى "لا تأخذه سنة ولا نوم" في آية الكرسي
آية الكرسي، التي تُعتبر من أعظم آيات القرآن، تبدأ بتأكيد أن الله هو الحي القيوم، أي الحي الذي لا يموت، والقائم الذي يدبر أمور الكون باستمرار. عبارة "لا تأخذه سنة ولا نوم" تحمل دلالات عميقة. "السنة" تعني النعاس أو بداية الشعور بالنوم، بينما "النوم" هو الغياب التام عن الإدراك. الله سبحانه منزه عن كليهما، لأن النوم والنعاس صفات بشرية تعكس الضعف والحاجة إلى الراحة، وهي أمور لا تليق بكمال الله.
النوم لدى الإنسان ضرورة لاستعادة الطاقة بعد التعب، لكن الله عز وجل لا يتعب ولا يحتاج إلى راحة. هذا التنزيه يؤكد أن الله هو القادر المطلق الذي لا يصيبه عجز أو نقص، كما أن علمه محيط بكل شيء في كل لحظة، دون انقطاع أو غفلة.
قصة موسى عليه السلام: درس عملي في عظمة الله
لتوضيح هذه الحكمة، هناك قصة تُروى عن موسى عليه السلام، رغم أنها لم تثبت في الأحاديث الصحيحة، إلا أن دلالتها تتماشى مع المعاني القرآنية. في هذه القصة، سأل موسى ربه: "لماذا لا تنام يا رب؟"، فأراد الله أن يبين له الحكمة بطريقة عملية. طلب من موسى أن يمسك بقدح ماء في يده وألا ينام أبدًا. حاول موسى الصمود، لكنه بعد فترة غلبته الطبيعة البشرية، فنعس وسقط القدح من يده، فانكسر وانسكب الماء.
عندها قال الله سبحانه: "يا موسى، لو غفلت عن عبادي لحظة واحدة، لسقطت السماء على الأرض!". هذه القصة، رغم رمزيتها، تُظهر أن الكون يعتمد على تدبير الله المستمر. لو توقف الله عن إدارة شؤون خلقه ولو للحظة، لانهار النظام الكوني بأكمله، لأن كل شيء قائم بقدرته وعلمه.
الحكمة من عدم نوم الله: حفظ الكون وتدبيره
أحد أهم أسباب عدم نوم الله هو الحفاظ على نظام الكون. السماوات والأرض، بكل ما فيهما من نجوم وكواكب وحياة، تعتمد على إرادة الله المستمرة. كما جاء في الآية: "وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا"، أي أن الله لا يشق عليه ولا يتعبه حفظ هذا الكون العظيم. لو أصاب الله نعاس أو نوم – وهو منزه عن ذلك – لاضطربت حركة الكواكب، ولتوقفت الحياة على الأرض.
على سبيل المثال، دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس يعتمد على نظام دقيق لا يتوقف. لو توقف هذا النظام للحظة، لاختل التوازن بين الليل والنهار، مما يؤثر على كل أشكال الحياة. هذه الحكمة تُظهر أن الله هو القيوم الذي يدير كل شيء بقدرته المطلقة دون أي توقف.
كمال قدرة الله وإحاطة علمه
صفة عدم النوم تُبرز كمال قدرة الله وإحاطة علمه. الله يعلم كل ما يحدث في الكون في كل لحظة، كما جاء في الآية: "يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ". النوم يعني انقطاع الوعي والإدراك، وهو أمر يتناقض مع صفة العلم المطلق التي يتمتع بها الله. فهو يسمع دعاء المؤمن في منتصف الليل، ويرى حركة النملة في ظلام الليل، ويدبر أمور المخلوقات دون أن يغفل عن شيء.
هذا الكمال يعني أن الله لا يحتاج إلى راحة، لأنه ليس كالبشر الذين يصيبهم التعب. البشر ينامون لأنهم يحتاجون إلى استعادة طاقتهم، لكن الله منزه عن الحاجة، فهو القوي الذي لا يضعف، والعزيز الذي لا يُهزم.
النوم كصفة بشرية: تنزيه الله عن النقص
النوم يُعتبر صفة بشرية أساسية تعكس الضعف والحاجة. عندما ينام الإنسان، يفقد السيطرة على وعيه، ويصبح غير قادر على حماية نفسه أو الاستجابة لما حوله. هذا النقص لا يمكن أن يُنسب إلى الله، لأنه الكامل في ذاته وصفاته. كما أن النوم يرتبط بالتعب، بينما الله لا يتعب، كما قال في القرآن: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ" (سورة ق: 38).
هذا التنزيه يعزز فكرة أن الله هو الإله الواحد الذي لا مثيل له، وأن صفاته تتجاوز كل ما يمكن أن يتصوره البشر. فهو الخالق الذي لا يحتاج إلى ما يحتاجه المخلوقون.
تأثير هذه الصفة على المؤمنين
فهم صفة "لا تأخذه سنة ولا نوم" يزرع في قلب المؤمن الطمأنينة والثقة. عندما يعلم الإنسان أن الله لا يغفل عنه أبدًا، يشعر بالأمان التام. على سبيل المثال، شخص يمر بمحنة ويدعو الله في منتصف الليل يعلم أن الله يسمعه، لأنه لا ينام ولا يغفل. هذا الشعور يعزز التوكل على الله ويمنح المؤمن قوة لمواجهة تحديات الحياة.
كما أن هذه الصفة تدعو المؤمن إلى التأمل في عظمة الله، مما يزيد من خشوعه وإيمانه. فكلما فكر الإنسان في كمال الله، ازداد إيمانه وتعلقه بالخالق.
الخاتمة: سبحان الذي لا يغفل عن خلقه
في ختام هذا التأمل، ندرك أن صفة "لا تأخذه سنة ولا نوم" ليست مجرد وصف، بل دليل على كمال الله وعظمته. الله لا ينام لأنه القيوم الذي يحفظ الكون، القادر الذي لا يتعب، والعليم الذي لا يغفل. قصة موسى عليه السلام، رغم رمزيتها، تُظهر لنا أن الكون لا يمكن أن يستمر دون تدبير الله المستمر. فلنتأمل في هذه الصفة العظيمة، ولنجعلها دافعًا لزيادة إيماننا وتوكلنا على الله. سبحان الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، فهو الحي القيوم الذي يستحق كل الحمد والعبادة.
💬 هل لديك رأي أو تعليق؟ شاركنا في التعليقات أدناه:
تعليقات